بمناسبة موسم أفلام عيد الأضحى في مصر فإننا نطرح السؤال هنا من وجهة نظر المنتج المصري، وهو ما يعني بالنسبة له أن ثمة خلل في ميزان العالم كما يعرفه !! ولكن من وجهة نظر السينما كفن وصناعة فأن الاجابة هي ان كثير من سينمات العالم قد تخلصت من معادلة النجم صاحب القاعدة الجماهيرية، والذي يكفي وجوده على الشاشة – من وجهة نظر المنتجين- حتى لو كان يغني (ريان يا فجل) لتحقيق (أعلى ايرادات في تاريخ السينما) ولدينا هذا الموسم امثلة واضحة اقربها فيلم الكنز 2 من بطولة محمد رمضان ومحمد سعد مجتمعين ومن قبلهم أفلام على جثتي وصنع في مصر لأحمد حلمي.
على العكس من المنطق الغريب وغير المنصف لصناعة ذات تاريخ طويل مثل صناعة السينما المصرية – مهما اختلفنا او اتفقنا حوله- فإن السينما الأمريكية بكل ثقلها الهوليودي استطاعت أن تتخلص من معادلة النجوم السيئة، ليصبح لديها خيارات اخرى لتحقيق الأيرادات وجذب الجمهور وامتاعه بدلا من الأعتماد على نظام النجوم الذي تجاوزه الزمن خارج حدود مصر.
وبالعودة إلى سؤالنا الأول فأن فيلم الجمال الجانبي إخراج ديفيد فرانكلين- صاحب “الشيطان يرتدي برادا” 2006 ومجموعة مواسم مسلسل”الجنس والمدينة” خلال السنوات الأولى من الألفية- يعتبر نموذجا من تلك الأفلام التي لا يغني فيها وجود النجوم وثقلهم الجماهيري عن وجود موضوع قوي وسياق سينمائي فعال في قدرته على التأثير الشعوري وتحفيز وجدان المتلقي.
هذا واحد مما يمكن ان نطلق عليه أفلام المواسم الباهتة – والصفة هنا عائدة على الأفلام- فكعادة هوليود – التي ورثتها عنها الكثير من سينمات العالم- وكجزء من قدرات صناعة السينما الأمريكية الضخمة فأن المواسم الاجتماعية والدينية والسياسية مثل الكريسماس وليلة رأس السنة وعيد الحب وعيد الفصح بل وعيد الأستقلال، والتي تعتبر جزء متأصل في الثقافة الأمريكية، فانها دائما ما يكون لها نصيب لا بأس به من الأفلام التي تنتج خصيصا للعرض في هذه المواسم، وهي افلام تحتمل دوما التصنيف العائلي أو الأشراف العائلي على اقصى تقدير – ربما باستثناء الأفلام التي تعرض في موسم عاطفي مثل عيد الحب.
هكذا شاهدنا خلال السنوات الماضية عدد من الأفلام التي يجتمع فيها مجموعة من كبار ممثلي هوليود مثل أفلام “ليلة رأس السنة” و”عيد الحب” والتي ضم كل منها (مجرة من النجوم) لكنها على المستوى الدرامي والبصري والفني بشكل عام لم تكن ذات لمعة اصيلة أو بصمة مؤثرة، بل خفت بريقها بمجرد انتهاء الموسم وسقطت من ذاكرة الجمهور واصبحت فقط تحتل مكانا في عروض القنوات الفضائية خلال هذا الموسم او ذاك.
الكريسماس الجانبي
يأتي موسم الكريسماس كخلفية اجتماعية لاحداث فيلم الجمال الجانبي على اعتبار أن سياقات الفيلم الميلودرامية تتفق مع هذا الموسم العائلي المرتبطبالاطفال والكبار على حد سواء، ولم كانت ازمة البطل الأساسي “ويل سميث” هي شعوره بالحزن الابوي الكامل لفقدانه ابنته الصغيرة ذات الستة اعوام نتيجة سرطان نادر فمن الطبيعي أن يصبح الكريسماس واحد من مواسم العذاب بالنسبة للأب الذي في داخله والذي ادى فقدانه لأبنته إلى تحوله إلى بقايا انسان، ولكن البناء الميلودرامي للفيلم يكتفي بكون الكريسماس مجرد قشرة خارجية أو عنصر جانبي من عناصر البيئة الزمنية للاحداث ولو ان السيناريو استبدل الكريسماس بعيد اخر كالفصح على سبيل المثال لم تكن الاحداث او السياقات لتتغير، حتى على مستوى الصورة السينمائية لم يكن ثمة حضور للكريسماس على مستوى الألوان أو الأضاءة او توظيف الموتيفات الخاصة به – والتي اشهرها شجرة الكريسماس- وتضفيرها بشكل عضوي مع الاحداث والبناء الدرامي او تطور الحبكة.
الحب والوقت والموت
يقوم الفيلم في شقه الوجداني على هذه العناصر الثلاث التي يحاول السيناريو أن يطرحهم كجزء هام من قبولنا وفهمنا لطبيعة الحياة، والتي مهما احتوت على الألم والفراق والفقد فأن ثمة جمال ما جانبي أو شق جمالي ما يمكن أن يهون علينا عذابات الحزن الأنساني بمختلف اسبابه، حيث يقع الأب المكلوم في شباك حيلة ينسجها حوله شركائه الثلاث الذين يعانون بدورهم من ازمات مالية واجتماعية وانسانية مرتبطة ايضا بالحب والوقت والموت.
تنطلق الحبكة الرئيسية من تلك الحيلة حيث يستأجر الشركاء الثلاث مخبرة سرية لكي تبلغهم بسلوك حياة رئيسهم وشريكهم الأساسي عليهم يجدوا فيه ما يصلح كذريعة للحجر عليه اداريا وبالتالي التحكم في بيع اسهم الشركة لحل ازماتهم المختلفة والتي تتكشف تدريجيا كلما تطور سياق الحبكة خاصة مع اكتشافهم أنه يكتب خطابات علاجية كنوع من التنفيس إلى عناصر الوجود الثلاث التي كانت مفتاح نجاحه فيما سبق.
عبر صدفة عابرة – كعادة السياقات الميلودرامية – يتعرف احد الشركاء على ممثلة في فرقة مسرحية متواضعة ويتفق ثلاثتهم- دون اسباب مقنعة حتى على مستوى الثقة- مع الفرقة المكونة من ممثلة شابة وفتى اسمر وممثلة عجوز مخضرمة على ان يتمثلوا العناصر الثلاث للوجود ويلتقون بالشريك الرئيسي وكل منهم يحمل الخطاب الذي ارسله إليه.
العاب درامية
قد تبدو تلك اللعبة الدرامية التي تمارسها الفرقة الصغيرة مع البطل هي التفصيلة اللامعة الوحيدة في بنية الحكاية الفيلمية كلها، فالسيناريو يكسر لنا الأيهام الخاص بكون الممثلين الثلاث هم جزء من المؤامرة على الشخصية الرئيسية، فلم يحاول ان يخبئ عنا انهم ممثلين في فرقة وليسوا بالفعل الموت والحب والوقت، بل اعتمد على لعبة درامية يمكن ان نطلق عليها القنبلة، فنحن نعرف انها مؤامرة ولكن البطل لا يعرف وبالتالي نظل منجذبين لمتابعة الاحداث لكي نعلم إلى ما سوف ينتهي الامر حين يكتشف المؤامرة وان من يققف خلفها هم شركائه.
في سياق أخر كان من الممكن ان يظل هذا السر مخبئا عن لكي نكتشفه فيما بعد وتصبح المفاجأة مزدوجة ولكن السيناريو اثر ان تكون المؤامرة على البطل فقط وليس علينا كمتلقين وعليه كبطل، مفضلا أن يكون السر الأخر او القنبلة الميلودرامية الأخرى– ان جاز التعبير- هي أن الشخصية الرئيسية تمارس اسلوب علاجي قائم على التغريب ما بينه وبين طليقته وام ابنته.
هنا يصبح لدينا نوعين من الألعاب الدرامية المتأثرة بشكل كبيرة بألوان الدراما المسرحية الكلاسيكية اولها هو كسر الايهام في الخط الخاص بالبطل وعلاقته بعناصر الوجود الثلاث المتجسدة بناء على مؤامرة والثاني هو اكتشاف سر العلاقة ما بينه وبين المعالجة النفسية التي يذهب إليها لكي يحكي لها عن ابنته الراحلة لنكتشف في النهاية انه الورقة التي تحملها وعليها جملة ( حتى نصبح غرباء من جديد) تخصه هو، وهو تغريب متعمد لعلاقته بها في محاولة لأنكار الفقدان المؤلم لابنتهم بعد ان تصور ان الحياة بعدها سوف تصبح مستحيلة.
بريق السقوط
يعتمد الفيلم على اسلوب بسيط جدا إلى درجة السطحية في التعاطي البصري مع الفكرة والأحداث فلا يوجد أي تأثير بصري او علاقة عضوية او توظيف سينمائي لاي من عناصر الكادر أو البيئة المكانية او عناصر الضوء والظلال أو حركة الشخصيات وما إلى ذلك من اساليب التعبير البصري، بل يبدو الفيلم اقرب لحكاية مروية بأسلوب تليفزيوني قائم على اللقطات المتوسطة والقريبة والعزلة المكانية وانفصال الشخصيات عن مكونات الكادر من حولها والأعتماد على الحوارات المطولة والشارحة لأفكار الشخصيات ونواياها ومعاناتها، ربما باستثناء ذلك التوظيف الجزئي لهواية البطل في تشييد مساحة ضخمة من لعبة قطع المومينو المتساقطة والتي تصبح المجاز البصري والدلالي الوحيد تقريبا في الفيلم لفكرة الجمال الجانبي، حيث تتجلى اللذة البصرية والشغف لمتابعة التساقط المتوالي لقطع الدومينو على مساحة ضخمة وبأشكال مركبة ومعقدة لكنها في النهاية تمثل لوحة جمالية رغم أنها تعتمد على السقوط والأنهيار عقب جهد التشييد والرص الدؤوب.
وانطلاقا من تلك اللعبة التي يمارسها البطل يمكن الربط بين الشخصيات الثلاث لشركائه وعلاقتهم بالوقت والحب والموت كل على حده فالشريكة الجميلة (كيت وينسلت) تتقارب نسبيا مع الفتى الأسمر الذي يقوم بدور الوقت لنكتشف أن ثمة ارتباط أمومي يجمعها به نتيجة معاناتها في ان تصبح اما رغم تقدمها في السن وتسرب الوقت من بين يديها، اما الشريك اللاتيني الذي تكتشف الممثلة التي تقوم بدور الموت أنه يوشك أن يرحل هو الأخر لانه يعاني من مرض خطير فتنصحه أن يصارح عائلته لكي يمنحهم الوقت الكافي لتقبل رحيله والاستعداد لحياتهم بعد ان يمضي وكأنها نصيحة من الموت ذاته لشخص يوشك أن يلتقيه وجها لوجه.
أما الشريك الثالث( ادوارد نورتن) فأن معاناته في تسول مشاعر الحب من ابنته التي تدرك أنه كان السبب وراء طلاقه من امها تجعله أكثر استعداد للخوض في مغامرة عاطفية من طرف واحد مع كيرا نايتلي الممثلة الشابة التي تقوم بدور الحب في المؤامرة، وبالتالي تتسع اطراف اللعبة الدرامية لتشمل كل الشخصيات في علاقتها بالعناصر الثلاث سواء على مستوى الأيهام الساذج الذي يمارس على البطل او على مستوى العلاقة الوجودية بين الوقت والحب والموت وبين شخصيات الشركاء الثلاث كل في موضعه الأنساني غير الامن والمضطرب.
خاتمة مشروحة
يظل التعبير البصري الاساسي عن فكرة الجمال الجانبي مرتبط كما ذكرنا بلعبة الدومينو المتساقطة بينما يأتي التعبير الدرامي عن الفكرة متمثلا في حوار جانبي يدور بين زوجة البطل وبين الممثلة العجوز في مصادفة اخرى غير مفهومة وقت أن كانت ابنة البطل تحتضر في المستشفى فنصحتها الممثلة العجوز أن ترى الجمال الجانبي في في موت ابنتها وهي نصيحة تبدو قاسية وغير مفهومة لكنها تصبح جزء من سياق الشروحات التفسيرية التي تخلص إليها مشاهد السيناريو لتوضيح الفكرة قدر الامكان حواريا بعد أكتشاف اللعبة وسقوط الجدار الرابع ما بين البطل وبين مؤامرة الشركاء الثلاث.
ولا يجد المخرج من تعبير بصري افضل من العودة للعبة الدومينو لكل يقول لنا انظروا إلى الجمال الجانبي من علمية عملية والانهيار المتتالية ولكن لا يعفيه المشهد الأخير من مسؤلية هذا القدر من الساذجة والسطحية والروح الباهتة التي تكسو الفيلم ككل، ولا يشفع له اجتماع هذا العدد من الممثلين اصحاب الحضور القوي نافذ التأثير/ فالحضور التمثيلي لا يكتسب جماله الحقيقي إلا من خلال سياق درامي وبصري متكامل وعميق وحي أما الأكتفاء بالجمال الجانبي لحضور مجموعة ممثلين كبار دون الخوض في جوهر هذا الحضور واستغلاله فلن يؤدي سوى إلى تجربة مماثلة تعرض خلال موسم رأس السنة ثم لن تلبث إلا أن تصبح مجرد فيلم على اجندة الفضائيات وليس في قائمة الافلام المفضلة أو المؤثرة لعشاق السينما.